
العراق..شارع يغلي وسحب الغضب الشعبي تتجمع؟…داود البصري
أحداث العراق الأخيرة، وتدهور الموقف السياسي العام بعد الاشتباكات الجماهيرية المتكررة، والاقتحام الثاني لحصون وقلاع المنطقة البغدادية الخضراء، قد شكلتا صياغة مشهد عراقي متجدد، يعيد رسم خارطة الطريق المستقبلية لإرهاصات حالة الرفض الجماهيري في العراق، وشيوع التململ العام من ملايين العراقيين المحرومين الذين هالهم فشل العملية السياسية، وحالة الإفلاس المطبق للنخب الطائفية الحاكمة التي لم تستطع أبدًا ولن تستطيع في تقديرنا تلبية أبسط مطالب الجماهير بالتغيير نحو الأفضل، وفي كل منعطف تثبت قوى المعارضة السابقة التي سلمهم الأمريكان مقاليد السلطة في العراق على طبق من ذهب خوائها وفشلها وعقم تفكيرها ورداءة منطلقاتها، بعد أن حولت العراق لأكبر دولة فاشلة في تاريخ الشرق الأوسط منذ نشوئه وتشكله بعد الحرب الكونية الأولى؟
الجديد في الأمر هو أن التشابك الجماهيري الحالي لم يعد مقتصرا على أهل المناطق الغربية الذين تعرضوا سابقا وما زالوا لمجازر سلطوية مروعة بدءا مما حدث في (الحويجة) وليس انتهاء بما فعلته وتفعله حشود وعصابات الحشد الشعبي في المناطق التي دخلتها، الالتحام والرفض الحالي جاء من جماهير الأحزاب الطائفية ذاتها التي أعربت عن تبرمها وضيقها من فشل السلطة في حل المشاكل المتراكمة، وكان لأتباع تيار مقتدى الصدر القدح المعلى في إدارة وقيادة حملات الاحتجاج والاقتحام كما تحملوا الخسائر البشرية الأكبر في المواجهة الأخيرة وحيث سقط عدد من الضحايا منهم بين قتيل وجريح إضافة لمئات المعتقلين!، وهو ما يحفز حالة الصراع ضد النوعي بين المكون الطائفي الحاكم والمهيمن على السلطة، ويؤكد تمزق (التحالف الوطني) وتقوض أركان (البيت الشيعي)!. المثير للغرابة إن رئيس الحكومة حيدر العبادي كان يراقب اجتياح الجماهير لمكتبه ومقره من خلال طائرة عمودية كان يستقلها وهو ما يذكرنا بمشاهد شاه إيران الراحل لتظاهرات جماهير طهران ضده!! رغم الفارق النوعي والكمي بين الحالتين؟!
لقد كانت أبرز نتائج التداعيات الأخيرة هو تمزق الشارع العراقي بنيران الخلافات السياسية والمنهجية وبتفجيرات الإرهاب المتنقلة التي ضربت أساسا أماكن وتجمعات الجماهير المنتفضة! وتلك ليست مجرد مصادفة! بل إنها أحداث مخطط لها بدقة في غرف سوداء تلعب لعبتها القاتلة في إدارة ملفات الصراع في العراق؟!، من يعرف العراق ويفهم نفسية العراقيين سيدرك على الفور بأن التهدئة لن تجد طريقها للإحلال في الشارع العراقي!، بل إن التداعيات القادمة ستتجاوز المطالبة العامة بالإصلاحات المتعثرة، وإن الاحتقان المتراكم في الشارع العراقي لن تبدده أبدًا اتهامات رئيس الحكومة بوجود مندسين حددهم بكونهم (بعثيين)!! وهي الأطروحة التي دائما ما يلجأ لها أهل السلطة في العراق، ومع ذلك لم تزل السلطات ترسل إشارات الرعب والتحذير منه! وتلك مفارقة غريبة في نظام يمتلك مليون عنصر عسكري مسلح، وجهاز دولة كاملا، وتحالفا استراتيجيا مع الحليفين الأمريكي والإيراني!، ومع ذلك لا تزال أشباح البعث تؤرقه وتقض مضاجعه عبر توزيع الاتهامات للمحتجين والمنتفضين بكونهم بعثيين!! وذلك بطبيعة الحال إفلاس سياسي كبير ومنهجي ومستمر!.
العراق كما كان على مر التاريخ يختزن البروق والرعود، وتداعيات سقوط الضحايا ستؤدي لتصاعد عمليات الثأر والذي له في العراق تاريخ حافل وموقع ثابت، ستتكرر الاقتحامات بكل تأكيد، وسيتبلور وضع شعبي يهيأ لانتفاضة شعبية قد تتطور لمواجهات لا يعلم سوى الله تعالى مدياتها ما لم تلجأ السلطة لإجراءات من شأنها تنفيس الاحتقان المتصاعد، وهو أمر مستبعد الحدوث على ما يبدو ووفقا لقراءة سلوك السلطة وتصرفاتها..سحب وغيوم سوداء ثقيلة تتجمع في سماء العراق مؤذنة بقرب هبوب عاصفة تغيير حتمية قادمة.
يقين نت + وكالات
ب ر