
ذلك النزيف العراقي المتواصل..؟….داود البصري
وسط ركام الحروب، وأكوام الجثث المتراكمة في حروب العراق الداخلية، وتوسع مساحات المقابر، تناسى القوم في العراق كل جهود ونداءات ودعوات الإصلاح والتغيير وتجاوز آثام الماضي القريب، لينخرط البلد والشعب في جولات استنزاف دموية كبرى جديدة ومتصاعدة، جعلت كل الأحاديث والتضحيات السابقة التي قدمتها القوى الشعبية العراقية في صراعها من أجل الإصلاح والتغيير ومحاسبة اللصوص والمفسدين تتحول كأثر تاريخي فقط لا غير؟.
لقد نجحت مافيا الأحزاب والعصابات الطائفية المتسلطة في العراق بتحريف الوقائع وتغيير الأجندات فعلا!، وتمكنت من الحفاظ على مواقعها السيادية والقيادية في ظل زحمة الحروب وأزيز الصواريخ وهدير المدافع!، فمطالب الشعب في تغيير الأوضاع، ومحاسبة النخب السياسية الفاشلة، وملاحقة سارقي المال العام والمتسببين في تدهور الأوضاع العراقية وضياع المدن والقرى ومصرع آلاف الشباب العراقي بشكل مجاني، لم تتحقق أصلا!، وتغيير الحكومة وشخوصها الفاشلة البائسة أضحى هدفا بعيد المنال بعد أن تغير شكل وطبيعة إدارة أوراق وملفات الصراع الداخلي نحو ملفات الحسم العسكري وطرد تنظيم الدولة من المواقع الإستراتيجية التي سيطر عليها على تخوم بغداد وتحديدا في منطقة الفلوجة التي شكلت ولأكثر من عامين حالة من الأرق الإستراتيجي لقربها الشديد من العاصمة ولما تشكله من تهديد أمني حقيقي.
إضافة إلى أن إشغال الشارع العراقي بالعمليات العسكرية ولو تحت يافطة وشعارات مكافحة الإرهاب، قد سحب البساط بشكل شبه كامل عن كل شعارات وطموحات التغيير السياسي وتطهير السلطة من أمراضها المستوطنة، لقد تحول الوضع السياسي العراقي بشكل دراماتيكي نحو نهايات مواجهة عسكرية بأسوأ متبنياتها ونتائجها المروعة، وهي الحرب الطائفية القذرة التي أشعل فتيلها العصابات الطائفية المحتشدة ضمن صفوف ما يسمى بالحشد الطائفي والتي اقترفت مع قوات الجيش العراقي الذي يضم عناصرها أيضا مجازر مروعة، وانتهاكات فطيعة لحقوق الإنسان واحتجاز للمدنين من الرجال، وتنفيذ عمليات إعدام عشوائية إضافة لممارسة أساليب الحرق والتدمير والسرقة للقرى والقصبات التي تعرضت لحالات استباحة وقفت أمامها الدولة عاجزة بالمطلق، فأوامر رئيس الحكومة والقائد العام لا تسري أبدًا على قادة وعناصر الميليشيات التي تتلقى أوامرها من قياداتها الميدانية العاملة أصلا ضمن المجاميع الإيرانية التي يقودها فيلق القدس للحرس الثوري الإيراني، والوعود التي يطلقها حيدر العبادي حول محاسبة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات لن تجد طريقها للتنفيذ أبدًا!!.
فقادة الميليشيات أقوى منه بكثير وهم من يحمون رئاسة الحكومة، بل هم من يوفرون له ولحزب الدعوة الحاكم النصاب القانوني ضمن إطار التفاهمات والتحاصصات الطائفية القائمة في العراق والتي أوردته مورد الهلاك!، ويبدو واضحا في ظل تصاعد العمليات العسكرية ودخولها في إطار حروب عصابات استنزافية، وتورط الجيوش الإيرانية في محرقتها، إضافة لزيادة تدفق القوات الأمريكية وعودتها التدريجية للعراق من أجل المساهمة في خطة إعادة السيطرة على الموصل والتي بدأت إرهاصاتها العملية بالتوازي مع عمليات الفلوجة، والتركيز على العمليات العسكرية قد ضيع كل آمال عمليات الإصلاح السياسي التي دخلت في خانة التجميد ولم يعد أحد يستمع لها في ظل تصاعد الخسائر البشرية لقوات الحشد والجيش والطلب من بعض دول الجوار المساهمة في عمليات علاج الجرحى! وبما يعني بأن أي إصلاح للأوضاع السياسية المتدهورة ليس سوى أحلام لم يعد لها نصيب من الواقع!، وإن توجهات الأوضاع العامة باتت تتجه نحو صدام عراقي شامل، ونزيف دائم ومستمر في ظل وضع إستراتيجي إقليمي يتميز بازدياد حالات التشابك والصراع الإقليمي في الملفات السورية واليمنية وبعض النقاط الساخنة في الخليج العربي؟
العراق ينزف بغزارة، ولغة السلاح باتت هي الفيصل في تقويم الأمور المتجهة نحو انفجار داخلي واضح المعالم..لا حقيقة معاشة في العراق اليوم سوى عبارة (وداعا للسلام) بدلا من (وداعا للسلاح)!.. صورة كئيبة لوضع إقليمي على مشارف الكارثة.
يقين نت + وكالات
ب ر