
الاستيراد العشوائي في العراق (ملف)
شهدت الأسواق العراقية رواجا كبيرا للبضائع المستوردة من خارج العراق منذ عام 2003، حتى بات المواطن يعتمد بشكل كبير على الاستيراد والمنتوج الخارجي، نتيجة ضعف الإنتاج المحلي، فضلا عن ارتفاع أسعاره مقارنة بالمستورد.
نكبة الصناعة العراقية
وتعرضت الصناعة إلى ما وصفت بمجزرة كبيرة بعد عام 2003 نتيجة الاستيراد الذي لا حد له، وخاصة ما له علاقة بجهات سياسية داخل الحكومة، فضلا عن محاولة الاستيراد من إيران لدعم اقتصادها المتهاوي نتيجة العقوبات الأمريكية عليها.
وتسبب الاستيراد بشل حركة المصانع في البلاد، والتي قُدّر عددها بنحو 285 معملا، منها 85 معملا متعطلا، فضلا عن معامل القطاع الخاص والتي كان عدد مشاريعها الصناعية المكتملة قبل عام 2003 يبلغ 15726، وتأسس بعد عام 2003 قرابة 4418 معملا خاصا ليصل المجموع إلى 72093 مشروعا صناعيا خاصا، جميعها متوقف عن العمل.
ويوجد في العراق 5 مدن صناعية فقط، 4 منها في محافظات متفرقة هي بغداد والبصرة وذي قار والأنبار والأخيرة على الحدود العراقية الأردنية، لكن جميعها غير مكتمل وأغلبها لا تشهد حياة صناعية.
و يعزو أُستاذ الاقتصاد الصناعي في الجامعة المستنصرية الدكتور فلاح الربيعي الانفتاح الكبير على الاستيراد إلى التحوّل في فلسفة النظام السياسي بعد 2003 وانسحاب الدولة من النشاط الإنتاجي.
استيراد بلا ضوابط
وأصبح العراق في العقدين الأخيرين مركزا للبضائع المستوردة، دون ضوابط وقوانين تنظم هذا الاستيراد، خاصة مع سيطرة الأحزاب على الحكم، وهيمنة المليشيات الولائية على المنافذ الحدودية، مما مهد لدخول البضائع بدون رقابة ولا محاسبة.
كما جاء الاستيراد العشوائي نتيجة طبيعة لسياسة الباب المفتوح التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة، وهو ما أقر به المستشار المالي لرئيس وزراء العراق محمد مظهر بقوله: “التجارة الخارجية في بلادنا اعتمدت ما يسمى بسياسة الباب المفتوح، وهو الأمر الذي زاد من مشكلات الإغراق السلعي من منتجات بلدان تدعم صادراتها إلى العراق على نطاق واسع، لكي يتم تداولها بأبخس الأثمان داخل أسواق بلادنا”
ويضيف بأنه كانت ضحية ذلك التحرر التجاري الواسع هي قمع الحرف اليدوية، بدءا من صناعة الأحذية والحقائب المدرسية، وانتهاء بمختلف المفروشات والأثاث وحتى كثير من مستلزمات البناء وغيرها من مفاصل المهن ومنتجاتها المحلية.
وأشار مظهر إلى أن “أكثر من 37 منشأة صناعية حكومية متوقفة أو متعثرة عن العمل منذ عام 2003 باستثناء ثلاث منها رابحة، يوجد 50 ألف مشروع صناعي صغير ومتوسط وكبير بات جلها متوقفا منذ سنوات طويلة”.
حجم الاستيراد
كشفت مصادر رسمية سابقا عن تراجع الصناعة العراقية لصالح الاستيراد إلى شخصيات سياسية تقف في طريق تطوير الصناعة من أجل مصالحهم الشخصية والسياسية، وهو ما ساهم برفع حجم الاستيراد، فضلا أن بعضهم يمتلكون مصانع خارج البلاد ويتعاملون مع العراق كسوق استهلاكي.
وذكرت وزارة التخطيط أن حجم الاستيراد بلغ في عام 2018 نحو 37 مليار دولار، بعجز تجاريّ للسلع غير النفطية وصل إلى 33.1 مليار دولار.
ويرجح مختصون أن تصل قيمة الاستيرادات في العراق إلى نحو 55 مليار دولار في السنتين الأخيرتين بإيرادات جمركية لا تتجاوز 1,5 مليار دولار، أي نحو 3% من قيمة المستورد، بينما من المفترض أن تصل إيرادات الجمارك إلى معدل 20% من المستورد، وهذا ما معمول به في أغلب دول المنطقة على سبيل المثال.
وتتصدر الصين الدول المصدرة للعراق، حسب بيانات رسمية، وتليها إيران ثم تركيا والولايات المتحدة، وما زال هذا الترتيب محافظا على نفسه.
في هذا الملف، نسلط الضوء على سياسة الاستيراد العشوائي وأسباب استفحالها في العراق خلال العقدين السابقين (لزيارة الملف اضغط هنا)