
هيئة علماء المسلمين توجه رسالة مفتوحة للعراقيين بمناسبة الذكرى (96) لثورة العشرين
وجهت هيئة علماء المسلمين في العراق ، اليوم الخميس، رسالة مفتوحة الى جميع العراقيين ، بمناسبة الذكرى (96) من ثورة العز والفخار (ثورة العشرين) ، في ظل مايشهده العراق من انتكاسات متواصلة على جميع الاصعدة فيه ، وفوضى عارمة صاحبته من احتلاله في العام 2003 وحتى الان .
وجاء في نص الرسالة التي تلقت وكالة يقين للانباء نسخة منها ” تمرُّ علينا اليومَ الذكرى السادسةُ والتسعون لثورةِ العزّ والفخارِ (ثورة العشرين) والعراقُ يشهدُ انتقالةً كبيرةً على صعيدِ تطورِ البعدِ الطائفيّ المُغذّى دوليًا وإقليميًا، بدونِ أفقٍ واضحٍ لرغبةٍ دوليةٍ أو إقليميةٍ أو حتى عربيةٍ لحلٍ يمكنُ أن يُنقذَ العراقَ والمنطقةَ مما هيَ فيهِ من فوضى واستعلاءٍ طائفي؛ أدى لزعزعةِ الاستقرارِ وتهديدِ أمنِ المنطقةِ ومستقبلِ أجيالـِها.
وتمرُّ هذه الذكرى وصورةُ الحاضرِ لا تسر، وتناقضُ صورةَ ما كان عليه العراقُ في عام 1920، ففي يوم ثورة العشرين كان العراقيون مجتمعين في غالبِهم على هدفِ الخلاصِ من الاحتلال البريطاني فكان لهم ذلك ولو بعدَ حين، أما اليوم، فالعراقيون مختلفون في كيفيةِ التخلصِ من الاحتلالين الأمريكي والإيراني وتوابعِهما، وتَنخَرُ صفوفَهم عِصابةُ سوءٍ سياسية لا ترقب فيهم إلاً ولا ذِمّة.
أيها الإخوةُ الكرام …في ظلّ ما تقدم ووفقًا لما نعانيه من أوضاعٍ لا تَسرّ؛ لابد لنا من التنبيهِ والتذكيرِ بالأمورِ الآتية:
أولاً: إن الوحدةَ العراقية هي إحدى مقوماتِ صبرِنا ومطاولتِنا في انتظارِ الخلاص مما نحن فيه، ولاسيما ونحن نواجهُ منذ سنينَ وحتى اليوم حالةً خاصةً في العراق، وهي كونُ مشكلتِنا ومأساتِنا نتاجُ احتلالٍ أمريكيّ غاشم بخلاف الحالاتِ الأخرى في البلدان العربية، التي هي وليدة الثورات الشعبية على حكامِها.
ثانيًا: كان غالبُ العلماءِ في ثورة العشرين مع خيارِ الوطن لا مع خيارِ الطائفةِ والمذهب، وكانوا علماءًا يوجهون القادةَ والساسةَ للخيرِ والوحدة، لا علماءَ فتنةٍ يُحيون بواطنَ النفوسِ المريضة، ويُعلون من بواعث الشر في نفوس الناس، فأصبح علماءُ الفتنةِ كالعضوِ الأشلّ في جسدِ العراق، وأعضاءٌ ساعيةٌ في الشرّ ومُتوسلةٌ بالكذبِ لنصرةِ الأهواءِ والمصالح.
ثالثًا: كانت عشائرُ العراقِ سَدَاةً ولُحمةَ الوحدةِ الوطنية، وسجّلت صفحاتٍ ناصعةً من البطولةِ والفخرِ والكبرياء نفخرُ بها إلى اليوم، وهي زادٌ لنا نستمِدُ منهُ مقوّماتِ المواقفِ الثابتةِ كل عام، حينَ نستذكرُ ذكرى الثورةِ وبطولاتِ عشائِرِها، الذين نستنهضُ هممَهم اليوم؛ لإعادةِ مجدِ آبائِهم وفخارِ أجدادِهم: فيا أحفادَ (الظوالم) و(آل فتلة) و(بني حسن) و(العوابد) و(بني ياسر) و(بني حجيم) و(بني عارض) و(الأزيرج) و(الأكرع) و(البوسلطان) و(ربيعة) و(زوبع) و(البو محي) و(المصالحة) و(بنو تميم) و(البونمر) و(العَزة) و(الكرخية) و(الكبيشات) و(الدلو) و(السورجية) و(البرزانية) و(آلُ الحفيد) و(الرفيع) و(البو متيوت) و(شمر عموما)؛ الله.. الله في تراثِ آبائِكم وأجدادِكم في ثورة العشرين؛ الله.. الله في عراقِكم الجريح.
رابعًا: معركتُنا اليوم هي كاشفةٌ للمواقفِ والأشخاص، وهي معركةُ أخلاقٍ وتحدٍ لنوايا وعزائم، وهي فيصلٌ بين خيارِ العراقِ وخيارِ الأحزابِ والطوائفِ والمكوّنات، بين خيارِ الصدقِ والثبات، وبين خيارِ نوازعِ التخلي عن المبدأ واستدعاءِ كوامنِ النفوسِ الفاسدة، والتعللِ بأمنياتٍ وأضغاثِ أحلامٍ عن باطلٍ منسوجٍ بعنايةٍ لصورةٍ لا تحكي من العراقِ إلا الصوت، أما الجسدُ والصورةُ والروح والتوجه فهي إيرانيةُ الهوى والدوافع.
خامسًا: بناءًا على ما تقدمَ فالموقفُ اليوم ليس كمثلهِ بالأمس بعدما، تمايزت الصفوف، وأظهرَ كثيرون مكنونَهم وأفصحوا عن خبيئَتِهم، وأصبحَ مصيرُ العراقِ ومعاناةِ أهلِه عندَ الكثيرين تجارةً مربحةً في سوقِ السياسةِ أو النخاسة، حيثُ لا فرقَ بينَهما.
سادسًا: كانت الفلوجةُ كما عهدْناها وفيّةً لعراقِها وأبناءِ وطنِها وتصدّتْ للاحتلالِ البريطانيّ في ثورةِ العشرين، وقطَعَت طريقَ إمدادِ القواتِ البريطانية، وحرَقت سُفنها في الفرات، ومنعَتها من دعمِ جنودِها الذين يُقاتِلون أهلَنا في الوسطِ والجنوب، وقامت بدورِها في حمايةِ العراقِ والعراقيين منذُ الاحتلال الأمريكي، وها هي اليوم تخرجُ من المعركةِ الثالثة غير منكسرَةٍ على الرغمِ من دخولِ أوباشِ الطائفيين وتوابعِ المحتلين وأدواتِ الإيرانيين إليها، حيثُ دنسوا أرضَها بكلّ عواملِ الفرقةِ ومراسيمِ التشظي والثأرِ والحقدِ الطائفي.
سابعًا: إنّ الفلوجةَ تأبى إلا أن تكونَ حالةً معبّرةً كما عرفناها عن توقِ العراقيين للخلاصِ من الظلمِ والتعسفِ الواقعِ عليهم منذُ أكثرَ من ثلاثةِ عشرَ سنة، على يدِ الاحتلال الأمريكيّ وحكوماتِه المتعاقبةِ في العراق، وهي بأمسِّ الحاجةِ الآن لردّ الجميلِ إليها، والوقوفِ معَها في محنتِها، والمسحِ على جراحِها النازفة، وإغاثةِ أهلِها.
ثامنًا: لا سبيلَ لنا بالخلاص من محنتِنا التي نعيشُها؛ إلا بالعودةِ لإعادةِ ترتيبِ الصفوفِ والاصطفافِ الجديد، الذي يَأبى إلا أن يكونَ على وفقِ ثوابتِ الدين ومصالحِ الوطن ومقاصدِ الخيرِ لجميعِ العراقيين.
تاسعًا: إن مبادرةَ (العراق الجامع) التي أطلقتها الهيئةُ منذُ أشهر؛ هي حصيلةُ جهودٍ وطنيةٍ عديدة ليسَ لنا منها إلا المشاركةَ فيها وتوحيدَها وإعادةَ صياغتِها وفقاً لظروفِ المرحلة. والهيئةُ عازمةٌ على المضيّ فيها على الرغمِ من كل العقباتِ والمعوّقاتِ التي وضعَتْها أطرافٌ عديدة، وفي مقدمتِها للأسفِ قوىً وطنيةً وشخصياتٍ عراقية يبدو أنها لم تجدْ في المبادرةِ ما تبحثُ عنه، أو أنها خضعتْ لظروفٍ ضاغطةٍ خارجَ حساباتِ المصلحةِ المجردةِ للعراق، أو بسببِ قلةِ الخبرةِ السياسيةِ واستعجالِ قطفِ الثمار.
عاشرًا: الهيئةُ مستمرةٌ في جهودِها لفتحِ أبوابِ الحوارِ الوطنيّ العراقيّ بينَ القوى التي تقبلُ بذلك، وتستجيبُ لداعي جمعِ الكلمةِ وتوحيدِ الصّفِ، الذي طالما أَخّرْنا بعض خطواتِ العراقِ الجامع استجابةً لها، وحرصًا على الاجتماعِ على خطوطٍ عامةٍ للمشروع العراقي الوطني الحقيقي.
إن هيئةَ علماءِ المسلمين تدعو الوطنيين العراقيين: أحزابًا وقوىً وتكتلاتٍ وتجمعاتٍ وشخصياتٍ مستقلة إلى الشروعِ في صياغةِ ميثاقٍ وطنيّ يُعبّـرُ عن تطلعاتِ العراقيين، ويكون دليلَ عملٍ هادٍ لهم في ظلماتِ المرحلةِ المقبلة، وهو الهدفُ المنشودُ من المبادرةِ بعد تحققِ خطوةِ الإطارِ الوطنيّ العام، ولعل الميثاقَ الوطنيّ يكون سببا لذلك.
وفي هذه المناسبةِ تعلنُ الهيئةُ عن استعدادِها التامِ لتوفيرِ كلّ الظروفِ المناسبةِ لهذه القوى للتعبيرِ عن رأيِها ومناقشةِ رُؤاها ومشاريعِها للوصولِ إلى نقاطِ الاتفاقِ للبناءِ عليها، وتضعُ إمكاناتِها في سبيلِ ذلك، مع التأكيدِ على أمرٍ طالما ذكرناهُ ونَوهنا عنه، وهو أن الهيئةَ ستبقى جزءًا من العملِ الوطنيّ وتسعى لأنْ تكونَ عنصرًا فاعلًا فيه، وليست راعيةً لهُ بالمعنى المتبادرِ لأذهانِ بعضهم.
وختامًا: نُهنئكُم والأمةُ الإسلامية؛ بخواتيمِ شهرِ رمضانَ، وإقبالِ عيدِ الفطرِ المبارك، سائلينَ اللهَ تعالى أن يتقبلَ منكُم ومنّا الصيامَ والقيامَ والدعاء، وأنْ يكتبَ للعراقِ فرجًا من عندِه وخاتمةَ خيرٍ لأوضاعِه المُزرية وحُسنَ مآبٍ للنازحين والمهجرين داخلَ بلدهِم وخارجِه “.
يقين نت
ب ر