
لخبرتها بقمع التظاهرات إيران تستعين بميليشيات عراقية
يسود طابع التعامل الفوقي في العلاقة بين الحرس الثوري الإيراني، وبين الميليشيات الولائية التي شكلها في العراق وبلدان اخرى، حيث يستغلها للدفاع عن نظامه، ولخوض حروبه في المنطقة نيابة عنه، وتنفيذ واجبات أخرى يكلفها بها. فبعد إرسال ميليشيا “فاطميون” الأفغانية عناصرها إلى طهران، لإخضاعهم لدورات استخباراتية، من أجل تهيئتهم لمواجهة المتظاهرين الإيرانيين، إستقدمت إيران ميليشيات عراقية للمساهمة بهذه المهمة. وأفادت تقارير صحفية بأن وجبة من عناصر هذه الميليشيات وصلت إلى طهران ومدن إيرانية اخرى، مؤكدة أن دفعات جديدة ستصل خلال الساعات القليلة القادمة.
وأكد موقع “إيران انترناشيونال” المعارض، تسيير رحلات جوية منتظمة من مطار بغداد، لنقل عناصر الميليشيات إلى مدينة مشهد شمال شرق ايران، لقمع الانتفاضة المستمرة في هذه المدينة وبقية المدن الإيرانية.
وبحسب الموقع، فإن 150 عنصراً يرتدون زياً موحداً، تتراوح أعمارهم بين 25-30 عاماً، نقلوا في تشرين الثاني/نوفمبر من مطار بغداد، حيث شوهدوا وهم يدخلون القسم الخاص في المطار(بوابة رقم 43) بقيادة شخصين إيرانيين، ثم أُغلق القسم ولم يسمح لأحد بالاقتراب منه. ورجّح الموقع أن تكون هذه العناصر تابعة لميليشيا حزب الله في العراق والحشد الشعبي. وليست هذه المرة الأولى التي يستدعي فيها الحرس الثوري ميليشيات عراقية، فهي موجودة هناك منذ بداية الإنتفاضة الإيرانية للمساهمة بقمعها، إلى جانب ميليشيات من دول أخرى، من بينها سوريا ولبنان. ونشرت مصادر صحفية وثائق لإرسال زعيم حزب الله اللبناني “حسن نصر الله” لوحدات من العمليات الخاصة 133 و 910 إلى إيران، للقيام بدورها هي الاخرى في هذه المهمة.
خبرة بقمع التظاهرات
وتمتاز الميليشيات العراقية عن غيرها، بامتلاكها خبرة واسعة في عمليات القمع، حيث تصدت إلى جانب القوات الحكومية للتظاهرات العارمة في بغداد والمحافظات الاخرى، والتي برزت بشكل مكثف في تشرين الأول/أكتوبر 2019 للمطالبة بإسقاط النظام، الذي تسببت حكوماته منذ الاحتلال بتردّي الأوضاع الاقتصادية وشيوع الفساد المالي والإداري والبطالة.
يزج النظام الإيراني الميليشيات العراقية في صراعه مع شعبه من أجل البقاء في الحكم، مستفيداً من خبراتها في القمع والاختطاف
وأثار تنديد المتظاهرين العراقيين بتبعية نظامهم لإيران، غضب قادة الميليشيات وقوات رئيس الوزراء الأسبق “عادل عبد المهدي” الأمنية، ألتي واجهتها بعنف مفرط، مستخدمة أسلحة القنص والرصاص الحي وقنابل الغاز بشكل مباشر، موقعة حوالي 1000 ضحية وأكثر من 17 ألف جريح، بينهم 3 آلاف إعاقة جسدية، كما نفذت العديد من الإغتيالات والخطف ضد صحفيين وناشطين ومسعفين طبيين، بينهم عدد من النساء. وقدر تقرير مكتب حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) عدد المخطوفين ب 123 شخصاً، خلال الفترة ما بين الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019 والحادي والعشرين من آذار/مارس 2021.
ويزج النظام الإيراني الميليشيات العراقية التابعة له في صراعه مع شعبه من أجل البقاء في الحكم، مستفيداً من خبراتها في القمع والاختطاف، بعد أن ساهم بتأسيسها وتدريبها والإشراف عليها خلال السنوات الماضية. وذكرت مصادر غربية، إن إيران دربت ميليشيات عراقية في لبنان بإشراف عناصر من “فيلق القدس”، التابع للحرس الثوري. وجاء في تقرير لوكالة “رويترز”، ان إيران زودت ميليشياتها في العراق بأسلحة من بينها صواريخ، ودربتها على صناعتها، بعد أن أقامت لهذا الغرض منشآت في الزعفرانية شرق بغداد، وجرف الصخر، ومناطق أخرى داخل العراق، لاستخدامها أينما دعت حاجتها لذلك.
استخدامات متعددة
وسبق للحرس الإيراني استخدام الميليشيات العراقية للقتال في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، حيث يعود تاريخ وجودها هناك إلى عام 2012، بعد نحو عام على اندلاع الأحداث الدامية فيها، بدعوى “نصرة المذهب وحماية المراقد وتحرير القدس والمقاومة”، وغيرها من الشعارات التي دأب على ترويجها.
وانطلاقاً من النظرة الفوقية التي تُعامِل بها الأجهزة الإيرانية أتباعها من غير الإيرانيين، لا تقتصر مهام الميليشيات العراقية في إيران على عمليات قمع المتظاهرين، بل استُخدمت في مناسبات عديدة للقيام بأعمال خدمية مختلفة. ومن بين هذه الأعمال تنظيف وتعقيم الشوارع في المدن الإيرانية، خاصة بعد انتشار جائحة كورونا، كما استخدمتها في أعمال مماثلة، عندما تعرضت إيران للفيضان في نيسان/أبريل عام 2019.
ونقلت وكالة “تسنيم” المقربة من الحرس الإيراني، عن “عباس موسوي” ممثل ميليشيا النجباء العراقية قوله، إن عناصر الميليشيا قاموا بعمليات مكافحة جائحة كوفيد 19، إلى جانب ميليشا حزب الله اللبناني، التي سبقتها إلى طهران. ونشرت وسائل إعلام إيرانية عام 2020 صوراً لعناصر النجباء، وهم يجوبون شوارع “قم” لرشها بالمعقمات ورفع القمامة، تحت إشراف عناصر من الحرس الإيراني.
وفي وقت بلغ الفقر في العراق مستويات قياسية، وزعت ميليشيا النجباء 100 سلة غذائية في أحياء متفرقة من مدينة قم، بالإضافة إلى 400 كيلوغرام من العسل على المرضى والعاملين في المستشفيات، وفق ما ذكره موسوي للوكالة.
ونشر ناشطون عراقيون حينها، تعليقات تساءلت عما إذا كان “النجباء” وغيرهم من عناصر الميليشيات الولائية العراقية، قد قاموا بمثل هذه الأعمال في بلدهم، أم أن نصيب العراقيين منهم القتل والخطف والتعذيب.