
خلافات الأحزاب.. هل تطيح بالعملية السياسية في العراق؟
بالإضافة للصراعات التقليدية المعروفة بين الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، شهدت مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة الحالية برئاسة مرشح الإطار التنسيقي “محمد شياع السوداني”، إرتفاع حدة الخلافات داخل كل كتلة من الكتل المكونة للتشكيلية الحكومية، وصلت في بعض الأحيان حد الاشتباكات بالأيدي والتراشق اللفظي بين قياداتها.
وشهدت الأيام الماضية تهديد بعض الوزراء بالاستقالة، فيما أُقيل مسؤولون آخرون، في حوادث وصفها مراقبون بأنها انعكاس للتخبط الذي يعقب تشكيل الحكومات العراقية في العادة، واصطدام المصالح ضمن حمى التسابق للفوز بأكبر نصيب من المكاسب، لكن ما يميز المرحلة الحالية عن سابقاتها، هو شدة الصراع خلال فترة قصيرة من عمر الحكومة، وانتقاله من الصراع بين الكتل إلى الصراع الداخلي ضمن الكتلة الواحدة.
ولخص نائب بمجلس النواب رفض الكشف عن اسمه، طبيعة الخلافات الحزبية بقوله، “إن حدة الخلافات غير المعلنة أكبر بكثير مما يتسرب منها، وكلها مرتبطة بآلية المحاصصة داخل الحكومة، والتي ارتبطت بداية بالوزارات، ثم وكلاء الوزراء والمديرين العامين وصولاً إلى رئاسة الهيئات والمؤسسات الحكومية الأخرى”. وأضاف النائب عن حركة “امتداد”، إن الخلافات لا تتعلق بالعراق ومصالح أبنائه، وإن تلك التحالفات “تأسست على مصالح، وأن تفككها مرهون بزوال تلك المصالح”.
خلافات المالكي والخزعلي
ولا يختلف جوهر الصراع الداخلي من حزب لآخر ومن كتلة لأخرى، حيث يتركز في الغالب على الحصص من المناصب والموارد. وفيما يتعلق بالإطار التنسيقي، أكدت مصادر صحفية إن الخلافات بين أقطابه قد بلغت ذروتها، خاصة بين زعيم ائتلاف دولة القانون “نوري المالكي”، والعصائب بزعامة “قيس الخزعلي”. ونشبت الخلافات الأخيرة، بعد أقل من ثلاثة أشهر على تشكيل حكومتهم، عندما أحال الخزعلي مشروعاً نفطياً بشكل مباشر إلى الحكومة دون إطلاع وزير النفط “حيان عبد الغني”، الذي ينتمي لكتلة المالكي عليه. ولم تذكر المصادر علاقة الخزعلي بالمشاريع النفطية، لكنها أكدت أن هذا التصرف دفع المالكي إلى الطلب من وزيره، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء، تقديم استقالته رسمياً. ورغم أن مصدرأ في وزارة النفط نفى خبر الاستقالة، إلا أن تسريبات عن استقالات أخرى رشحت بعد الحادثة، شملت أربعة وزراء، ضمن مزايدات حزبية لم تقتصر على الإطار التنسيقي، بل شملت شركاءه من الكتل الأخرى.
وامتدت الخلافات بين قطبي الإطار، لتشمل التنافس على المناصب الأمنية، خاصة جهاز الأمن الوطني والمخابرات.ولم تستبعد المصادر أن يُقدم المالكي على خطوات تصعيدية، قد تنتهي بتفكك الإطار التنسيقي.
سنة السلطة
ولم يكن حال الأحزاب السنية المشاركة بالعملية السياسية أفضل من شركائهم من الأحزاب الشيعية، حيث ابتدأت بفصل النائب “ليث الدليمي” من كتلة تقدم التي يرأسها “محمد الحلبوسي” رئيس البرلمان. ولم يصدر بيان عن أي من الأطراف حول سبب فصله، لكن الدليمي قال إن هذا الإجراء يعبر عن سلوك دكتاتوري ينتهجه الحلبوسي داخل الكتلة.
من جانب آخر نشبت خلافات داخل “تحالف السيادة”، إثر انسحاب النائب “رعد الدهلكي” من التحالف أواسط كانون الثاني/يناير، بسبب مصادرة استحقاقات محافظة ديالى، التي يمثلها. وجاء في بيان أصدره الدهلكي، ان أسباب استقالته تعود الى “التفرد وديكتاتورية القرار السياسي داخل حزب تقدم، الذي انعكس سلباً على قرارات تحالف السيادة، وكذلك سلب استحقاقات ديالى، والزهد والتبرع باستحقاق السنة المكتسبة حسب التوازن منذ عشرات السنين من قبل المتفرد بالقرار، إضافة للتنكيل بنواب محافظة ديالى” حسب تعبيره.
وأكد نواب في البرلمان، وجود خلافات كبيرة بين الأحزاب التي تطرح نفسها كممثل للمكون السني، وإن هذه الخلافات تتركز على توزيع المكاسب التي حصلت عليها أحزابهم في ظل الحكومة الجديدة، مؤكدين أن فصل الدليمي واستقالة الدهلكي هي أول الغيث، وأن المرحلة القادمة ستشهد مزيداً من الانشقاقات داخل الكتل.
والتأمت الاحزاب السنية المشاركة في العملية السياسية ضمن تحالف السيادة، الذي تأسس في الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير من العام الماضي، ويضم تحالفي عزم برئاسة “خميس الخنجر”، وتقدم الذي يتزعمه رئيس البرلمان “محمد الحلبوسي”.
الحزبان الكرديان ..صراع لا ينتهي
ولا يختلف الأمر في شمال العراق عن وسطه وجنوبه، إذ يسيطر الحزبان الرئيسيان الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني على حكومة الإقليم، ويقتسمان المناصب والنفوذ والموارد، وهي أسباب رئيسية للصراع بينهما بحسب ما ذكرته مصادر صحفية كردية. ونقلت هذه المصادر عن القيادي في الاتحاد “غياث السورجي” قوله، “إن أحد الخلافات بين الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، هو استحواذ الأخير على الدرجات الخاصة في حكومة الإقليم، والإصرار على عدم ملء الشواغر للدرجات الخاصة لأهداف وغايات مقصودة”. وجاء رد البارازانيين على لسان رئيس حكومة الإقليم “مسرور البارزاني”، ألذي ألقى باللائمة على حزب الاتحاد، متهماً إياه بإخفاء عائدات محافظة السليمانية التي يسيطر عليها، ويمنع حكومة الاقليم من العمل.
وكان تقرير لوكالة “رويرز”، قد تحدث عن “خلاف يدور منذ فترة طويلة بين عشيرتي بارزاني وطالباني، بشأن السلطة والموارد في منطقة غنية بالنفط والغاز”، انعكس على أداء المسؤولين من العوائل الحاكمة. وكشفت الأحداث الأخيرة، أن “زواج المصلحة” بين الحزبين بات مهدداً بالانهيار، مع ندرة الفرص بإنهاء الخلافات، التي تكبر كلما زاد حجم الواردات التي يحصل عليها الإقليم، خارج سيطرة الحكومة الاتحادية.
وتشهد العلاقات بين الحزبين حركة مد وجزر من حين لآخر، وصلت في أواسط تسعينات القرن الماضي لنشوب حرب أهلية استمرت ثلاث سنوات، راح ضحيتها مايصل إلى 5000 مقاتل ومدني.
وفي ظل تفاقم الخلافات الداخلية لأحزاب السلطة، يسود اعتقاد لدى متابعين للشأن العراقي، بأن هذه الحكومة لن تتمكن من الصمود حتى موعد الانتخابات القادمة، وأن سقوطها سيكون مدوياً. ولم يستبعد بعضهم أن يتطور الأمر لصدام دامٍ بين أذرع الكتل والأحزاب المسلحة وداخل الكتلة الواحدة، وقد تشهد البلاد موجة جديدة من التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، على غرار ما حدث في تشرين الأول/اكتوبر عام 2019.