
مجازر جماعية واغتيالات تنذر بانهيار الأمن في محافظة ديالى
ثلاث حوادث منفصلة خلال ثلاثة أشهر، أشرت انهياراً أمنياً كبيراً في مناطق متعددة من محافظة ديالى، حيث لقي عدد من المدنيين مصارعهم في مجزرة بشرية شهدتها قرية البوبالي يوم 18 كانون الأول/نوفمبر 2022، وحدثت مجزرة اُخرى في قرية الجيايلة التابعة لقضاء الخالص في العشرين من الشهر الماضي، ليعقبها بيومين اغتيال طبيب في بعقوبة مركز المحافظة.
وقامت مجموعة مكونة من 50 مسلحاً في وضح النهار، بالإغارة على عوائل فلاحية من قبيلة (العَزّة) في قرية الجيايلة أثناء مزاولتهم أعمالهم في مزارعهم، فقتلت وجرحت أكثر من 19 شخصاً منهم بينهم نساء وأطفال، كما اختطفت أحد رجال القرية وعذبته حتى الموت. وسُمعت أصوات الاطلاقات النارية وصراخ النساء في أماكن بعيدة عن القرية المنكوبة، إلا أن القوات الحكومية لم تتدخل لمنعها، رغم وقوع الحادث على مقربة من إحدى نقاط التفتيش.
وحاول الإعلام الرسمي وتصريحات المسؤولين نزع صفة الارهاب عن المجزرة باعتبارها “نزاعاً عشائرياً”، حيث كررت خلية الإعلام الأمني الحكومية ما قاله مستشار محافظ ديالى “خضير العبيدي”، بأن الغارة جاءت على خلفية نزاع عشائري، وأن الحادث كان جنائياً وليس إرهابياً، لكن عوائل الضحايا أكدوا إن الجناة هم زمرة منفلتة تتغاضى عنها الحكومة، فيما وصف قائممقام قضاء الخالص “عدي الخدران” الحادث بأنه إرهابي.
تمزيق النسيج الاجتماعي
وأدان عدد من المنظمات والهيئات المحلية والدولية، تغاضي السلطات وصمتها حيال المذابح التي ترتكبها الميليشيات الطائفية في المحافظة دون رادع. وجاء في بيان للمكتب التنفيذي لمجلس شيوخ عشائر الثورة العراقية، إن هذه الجريمة تأتي ضمن مخطط “التغيير الديموغرافي المرسوم وتهجير أبناء الوطن الاصلاء من أراضيهم ومدنهم ودُورهم لتحقيق الأجندة الإيرانية”. من ناحيتها قالت هيئة علماء المسلمين في العراق، “إن هذه الجرائم الفظيعة التي ترتكبها الميليشيات بالتواطؤ مع أحزاب السلطة في محافظة ديالى وغيرها؛ تثبت يقيناً تواصل إرهاب الميليشيات التي تحتمي بهذه الأحزاب، وسعيها المحموم لتفتيت الأواصر القبلية، وتمزيق النسيج الاجتماعي في المحافظة، وعدم توقفها عن الانتهاكات والإعدامات الميدانية وارتكاب المجازر والتنكيل بالمواطنين في ديالى منذ عقدين من الزمن.” وحمل بيان أصدرته الهيئة بهذه المناسبة، “حكومة الاحتلال التاسعة والحكومات السابقة لها، ألمسؤولية المباشرة عن عدم وضع حد لهذه الجرائم”، مؤكداً على “عجزها وفشلها في حماية المواطنين، وعدم قدرة مؤسساتها العسكرية والأمنية على الوقوف بوجه تغول الميليشيات بمختلف أنواعها وأشكالها”
وشكك مسؤول القسم السياسي في الهيئة الدكتور “مثنى حارث الضاري”، بوجود جهود نيابية ترمي لإخراج ميليشيات الحشد من المدن، مؤكداً في تصريح صحفي إنها مجرد استنكارات وإدانات خجولة، تتجنب إزعاج هذا الطرف أو ذاك، وأن الأطراف المهيمنة على الحكومة ومؤسساتها لا تأبه بمثل هذه الاستنكارات ولا تلتفت لها بتاتاً.
وناشد مركز جنيف الدولي للعدالة الاُمم المتحدة، أن تأخذ دورها حيال ما يجري في العراق، مطالباً أمينها العام “أنطونيو غوتيريش” الذي يزور بغداد حالياً، بإرسال لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي تنفذها القوات الأمنية والميليشيات ضد المدنيين، وبإنهاء الهجمات والعنف وعمليات التهجير القسري للسكان التي تقوم بها الميليشيات في ديالى.
القاتل يحمل صفة رسمية وتخشاه القوات الأمنية…
من ناحيته قال مرصد “أفاد” الحقوقي في العراق، إن هذه الجريمة تندرج ضمن سلسلة الجرائم المتكررة في ديالى، وتتورط بها عناصر تابعة لمليشيات نافذة بالمحافظة، أبرزها بدر والعصائب وسرايا السلام. وأكد المركز في بيان أصدره عقب استماعه لإفادات سكان القرية وبعض عناصر الأمن المحليين، بأن المهاجمين نفذوا جريمتهم باستخدام عجلات الحشد الشعبي وأسلحته، وأنهم جابوا أزقة القرية وأطلقوا النار في الهواء لعشرين دقيقة قبل انسحابهم، دون أن تتحرك النقطة ألأمنية، التي كانت تتمركز على مسافة 300 متر فقط من مكان الجريمة.
تصفية الكوادر العلمية
ولم يمض يومان على جريمة قرية الجيايلة، حتى انتقل مسلسل التصفيات إلى مركز المحافظة في مدينة بعقوبة، حيث اغتيل الطبيب الاستشاري والاختصاصي في الأمراض القلبية الدكتور “أحمد طلال المدفعي” أمام عيادته في بعقوبة الجديدة. وجرت عملية الاغتيال بعد فشل الجناة باختطاف الضحية في شارع الطابو، ألذي يشهد تواجداً مكثفاً للأجهزة الأمنية. وقررت نقابة الصيادلة تعليق العمل في الصيدليات بالمحافظة، إحتجاجاً على اغتيال المدفعي، فيما أكد قائممقام قضاء بعقوبة “عبد الله الحيالي”، إن القاتل يحمل صفة رسمية وتخشاه القوات الأمنية. وحذرت نقابة الأطباء في المحافظة، من أن استهداف الأطباء في ديالى تحول إلى “وضع مقلق خلال الأيام القليلة الماضية من خطف وتهديد وقتل يوجب على الجهات التنفيذية المسؤولة عن الأمن أن تتحمل مسؤوليتها فيه بأكبر قدر من الجدية والحزم، وأن لا يغيب حضور الأجهزه الأمنية والقضائية عن المشهد وسط تردي الوضع وتمادي المجرمين”.
وقال مدير إعلام صحة ديالى “فارس العزاوي”، إن “الكوادر الصحية في أكثر من 100 مركز ومستشفى صحي وأكثر من 20 وحدة ادارية في ديالى نظمت وقفات احتجاجية، للمطالبة بكشف الجناة في حادثة اغتيال الدكتور أحمد طلال المدفعي في بعقوبة قبل أيام”.
ويواجه الأطباء والكفاءات العلمية في محافظة ديالى المحاذية لإيران، والتي تسيطر عليها الميليشيات الموالية لها، حملة تصفية ممنهجة لدفعها لمغادرة المحافظة، كجزء من عملية التغيير الديموغرافي التي تجري فيها. ونقلت مصادر صحفية عن نقيب أطباء ديالى
الدكتور “مرتضى الخزرجي” قوله، إن هناك خطة ممنهجة لضرب السلم المجتمعي والأمن في المحافظة. وكان نقيب أطباء ديالى قد تعرض هو الآخر الى تهديد بالقتل، فيما اختطف طبيب آخر، مما دفع مدير عام صحة المحافظة للتحذير من هجرة جماعية للأطباء عن المحافظة.