
تغيير مسار خط التالوك يمنح إيران المزيد من الأراضي العراقية
لا يكاد يمر وقت طويل، حتى تعيد إيران فتح ملف الحدود المائية بينها وبين العراق، في محاولات متكررة قال مراقبون إنها تهدف لمصادرة المزيد من الأراضي والمنشآت الإقتصادية العراقية، الواقعة على الجانب العراقي من شط العرب، مستغلة تغيير مسار “خط التالوك” الذي يقسم النهر بين البلدين، حيث تعمل إيران منذ سنوات على إحداث هذا التغيير، من خلال عمليات الحفر التي تقوم بها على الضفة الاخرى من النهر. وبحث وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبداللهيان” في زيارته الأخيرة إلى العاصمة بغداد هذا الملف، إضافة إلى قضايا اُخرى أثارها الوزير الإيراني، خلال مباحثاته التي أجراها مع المسؤولين في بغداد.
وتحدث عبد اللهيان في المؤتمر الصحافي المشترك، ألذي عقده مع نظيره العراقي “فؤاد حسين” يوم الأربعاء 22 شباط/فبراير، عن ما أسماه “وثيقة شاملة لتعاون استراتيجي بين العراق وإيران”، من المتوقع أن تقرها اللجنة العليا المشتركة بين البلدين. وأوضح الوزير الإيراني، إنّ ملف الحدود المائية له الأولوية في “مباحثات تطوير العلاقات”، مؤكداً على الفقرة الخاصة باتفاقية الجزائر، المبرمة بين البلدين عام 1975، والتي حددت الحدود المائية بين العراق وإيران بأعمق نقطة في شط العرب، ممثَّلة بخط التالوك.
وقال عبد اللهيان، إن الطرفين أكدا في الاجتماعات التي عقدت خلال زيارته، على “إعادة رسم خط التالوك” في “نهر أروند”، وهو الإسم الذي تطلقه إيران على شط العرب. ويرى خبراء بحريون، إن حديث عبد اللهيان عن “إعادة الرسم”، يعني مطالبته بالتنازل عن المزيد من المياه والأراضي والموانئ العراقية لصالح بلاده.
إيران تسعى لتغيير مسار “خط التالوك”، يهدف الاستحواذ على منشآت اقتصادية عراقية
كيف زحف خط التالوك؟
ومنذ سنوات يشكو أصحاب البساتين في منطقة (أبو الخصيب) من نحت وتعرية وتآكل وانهيار مساحات كبيرة من بساتينهم وأراضيهم الزراعية المطلة على شط العرب، نتيجة انحراف خط التالوك. ويعرف القانون الدولي خط التالوك أو خط القعر، بأنه الخط الوهمي المار بأعمق نقطة في المياه الفاصلة بين أي بلدين يفصل بينهما مجرى مائي، لكن ما يميز خط التالوك المار في شط العرب بين العراق وايران هو “زحفه” المستمر وتغيير موقعه. وأرجعت المصادر أسباب الزحف إلى إهمال الجانب العراقي لعمليات الصيانة والتنظيف والكري في مياهه، مما أدى لطمر مساحات كبيرة، يقابله نشاط متواصل على الجانب الإيراني للنهر في عمليات الحفر، من أجل زيادة عمق شط العرب من جانبه، خلافاً للاتفاقات الدولية التي تقضي بقيام الجانبين بهذه العمليات بشكل متساوٍ، وكذلك قيامها بحفر قناة “بهمشير” بمحاذاة شط العرب، نتجت عنها ترسبات طينية أدت إلى زيادة انحراف وتغيير موقع خط التالوك، وخسارة العراق لمساحات شاسعة لصالح إيران. وترى صحيفة “الإندبندنت”، ان سعي إيران لتغيير مسار “خط التالوك”، يهدف “للاستحواذ على منشآت اقتصادية عراقية تقع على ضفته، مستغلة حدوث انحراف في مجرى القناة الملاحية على حساب الأراضي العراقية”. وقدر عضو المركز البحري العراقي “عامر عدنان”، خسارة العراق السنوية بسبب زحف خط التالوك، بما يصل إلى 100 دونم من أراضيه الوطنية لصالح إيران، محذراً من أن استمرار هذا الانحراف سيؤدي إلى وقوع الموانئ النفطية في الخليج العربي كميناء البصرة وميناء خور العميّة ضمن أراضي الجانب الإيراني، ويحرم العراق من أي إطلالة بحرية. وبالفعل فقد قدمت السفارة الإيرانية عام 2009 طلباً إلى مستشارية الأمن القومي العراقية، بالتوقف عن استخدام ميناء خور العميّة النفطي، ألذي يستخدمه العراق لتصدير نفطه عبر الخليج العربي، لأنه “أصبح جزءاً من الأراضي الإيرانية”.
ملفات اخرى في جعبة عبد اللهيان
وترى الباحثة “شذى خليل” في مقال لها، “إن إيران مستمرة بشن حرب للاستحواذ على موارد العراق المائية والنفطية، وتمارس كل الأساليب لتوسيع حدودها ومساحة المياه الإقليمية الإيرانية، عبر الاعتداء على حدود العراق وثرواته، إذ غيرت مجرى العديد من الأنهار الإيرانية، وزادت من مساحة مياهها الإقليمية على حساب العراق، وتسعى إلى قضم المزيد من الأراضي العراقية وسرقة ثرواته النفطية، والسعي للسيطرة على شط العرب كله” بحسب الباحثة.
وكان الوزير الايراني قد عقد سلسلة من الاجتماعات مع رئيسي الجمهورية “عبد اللطيف رشيد”، والحكومة “محمد شياع السوداني”، ووزير الخارجية “فؤاد حسين”. وبالإضافة لملف شط العرب، حمل وزير الخارجية الإيراني في جعبته العديد من القضايا التي تريد بلاده من العراق الإسراع في تنفيذها، منها مطالبتها بأموال قالت إنها مستحقات الغاز الإيراني الذي تبيعه للعراق، وملف “قاسم سليماني” الذي قتل بغارة جوية في بغداد مطلع عام 2020.
وتسعى طهران لتوريط بغداد بهذا الملف، من خلال دفعها لرفع دعوى دولية ضد الولايات المتحدة الأمريكية في قضية مقتل سليماني. وسبق لإيران إرسال وفد إلى بغداد الشهر الماضي للمطالبة برفع الدعوى، وفق ما أوردته وكالة “مهر” الإيرانية. وأشارت الوكالة إلى عقد اجتماعات موسعة بين الوفد الإيراني ومسؤولين محليين، لبحث مطالبات قدمها الوفد، بالتعجيل “بإنهاء الإجراءات الرسمية وتهيئة القضية الكاملة لرفع الدعوى، من خلال لجنة التحقيق المشتركة العراقية الإيرانية ضد الحكومة الامريكية”.
ورغم الطابع السري الذي طغى على زيارات سليماني لبغداد وأماكن اخرى داخل الأراضي العراقية دون علم الحكومة العراقية، ومنها زيارته الأخيرة التي قتل فيها، إلا أن مصادر صحفية أكدت أن طهران طالبت الحكومة العراقية، بإصدار إعلان رسمي بادعاء أن هذه الزيارة “كانت رسمية وبعلم السلطات”.