
لقاء غوتيريش مع زعماء الميليشيات.. سلوك مخالف لمبادئ الأمم المتحدة
أثارت صورة الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” وهو مبتسم، محاطأ بزعماء ميليشيات عراقية ارتكبت مجازر وحشية بحق العراقيين، غضب مختلف الأوساط في العراق وخارجه، ألتي لم تنتظر من مسؤول اُممي بهذه الدرجة الرفيعة مثل هذا التصرف. وأصدرت هيئات ومنظمات عراقية، بيانات تدين تحركات المسؤول الأممي خلال زيارته الأخيرة للعراق، واعتبرتها خطوة مخالفة لدور الأمم المتحدة المفترض في حفظ السلم الأهلي.
وسجل “الميثاق الوطني العراقي” تحفظه على زيارة غوتيريش ولقاءاته مع زعماء الميليشيات وأطراف العملية السياسية؛ رافضاً أن يختزل العراق بحكومة الإطار التنسيقي التي ترعى الفساد المالي وانتهاكات حقوق الإنسان، بحسب بيان أصدره بهذا الخصوص. وجاء في البيان إن اللقاءات التي أجراها غوتيريش مع منتهكي حقوق الإنسان والمسؤولين عن ارتكاب جرائم بحق المواطنين العراقيين وفي مقدمتهم مسؤولي الميليشيات “ريان الكلداني” و”قيس الخزعلي” وآخرين، شكلت “سقوطاً علنياً لمواثيق الاُمم المتحدة التي يفترض أنه يمثلها، وهي انتهاك صارخ للقانون الدولي”. وأضاف البيان الذي حمل الرقم 142، إن غوتيريش “تجاهل بشكل متعمد انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، من ملف المغيبين إلى التطهير العرقي والطائفي لمناطق منزوعة السكان كجرف الصخر، أو حتى الإغتيالات الأخيرة في الأنبار وديالى، وقبلها استهداف التظاهرات السلمية المستمر وتعذيب المعتقلين وسلب حقوقهم المشروعة، وهذه الملفات وغيرها هي من صميم عمل الأمم المتحدة وأمينها العام”.
سلوك مخالف لمبادئ الأمم المتحدة
ونقلت مصادر صحفية عن العديد من الكتاب والمحللين والمتخصصين بالقانون الدولي، تصريحات استهجنت سلوك الأمين العام، المتمثلة بالثناء على جهود حكومية ليست موجودة على أرض الواقع، إضافة للقائه بزعماء ميليشيات مدرجين على قوائم الإرهاب. ووصف المحلل السياسي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى “مايكل نايتس” صورة الأمين العام مع زعماء الميليشيات، بأنها “رؤية كابوسية اُخرى تَخرج من العراق”. وتابع نايتس القول “على يمينه المصنف من قبل الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب، ويده ملطخة بالدماء العراقية، وعلى يساره ريان الكلداني، أحد منتهكي حقوق الإنسان المصنف من قبل الولايات المتحدة”.
وتطرق المحلل السياسي للقاءات رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق “جينين بلاسخارت” مع زعماء الميليشيات، مؤكداً أن غوتيريش لم يكن أول التقى بهم، حيث التقت بلاسخارت بزعيم ميليشيا حزب الله “عبد العزيز المحمداوي”، ألمدرج هو الآخرعلى قوائم الإرهاب.
من ناحيته قال عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي “مكي النزال”، إن “كثيراً من العراقيين كانوا يتأملون خيراً من هذه الزيارة، ظانين أن الأمم المتحدة ستضغط على حكومة السوداني للعمل بقوانين حقوق الإنسان، لكنهم فوجئوا بلقاء الأمين العام مع زعماء الميليشيات”. وتابع النزال القول في حديث تلفزيوني، إنه “على الرغم من أن الأمم المتحدة تنادي بحل الميليشيات، ظهر أمينها في صورة ودية مع زعماء الميليشيات وكأنه يقف مع مجموعة من الأصدقاء، وهذا ما استفز العرقيين”، مضيفاً أن الأمم المتحدة بهذا السلوك
قد خالفت مواثيقها التي تنص على مساندة الشعوب، مما يجعلها شريكة للحكومة في الانتهاكات وداعمة لها.
إلى ذلك، قال المحامي اللبناني المتخصص بالقانون الدولي الدكتور “طارق شندب”، إن ما حدث يحمل رسالة إلى العالم، مفادها أن الأمم المتحدة شريكة للإرهابيين في جرائمهم، فعندما “يقف أمين عام الأمم المتحدة مع إرهابيين قتلة ومجرمين وزعماء عصابات طائفية إرهابية وهو يتشدق ضاحكاً، كأنه يقول للعالم إن هؤلاء الإرهابيين الطائفيين هم الوجه الحقيقي ومرآة تفكيرنا وشركاؤنا في الأمم المتحدة، ونحن من غطينا وسهلنا جرائمهم وإرهابهم”.
ملف النازحين
على صعيد متصل، واجهت تصريحات غوتيريش المتعلقة بملف النازحين، إنتقادات حادة من قبل هيئات ومراكز حقوقية عراقية، حيث شرعن من خلالها التسويف الحكومي لقضيتهم، وتجنب تحميل الحكومات المتعاقبة مسؤولية تجاهل معاناتهم. وطالبت هذه الأطراف غوتيرش بموقف واضح بعد أن أصبح ملف النازحين ورقة متاجرة سياسية بين أحزاب وميليشيات السلطة، على حساب الحقوق الإنسانية لعراقيين فقدوها منذ سنوات، وهم يعيشون في مخيمات لا تتوفر فيها أبسط متطلبات الحياة الإنسانية.
ورغم أن موضوع إغلاق المخيمات لم يتقدم خطوة واحدة منذ سنوات، الا أن الأمين العام للأمم المتحدة امتدح سياسة الحكومة ازاءه، حيث قال بعد لقائه رئيس الجمهورية “عبد اللطيف رشيد”، إن “هناك جهوداً لتخفيف معاناة النازحين”. ويعيش أكثر من مليون وثلاثمائة ألف نازح في المخيمات في ظروف بائسة منذ اندلاع العمليات العسكرية في مناطقهم، في حين تسيطر على أراضيهم ومزارعهم الميليشيات التي التقى غوتيريش زعماءها، وهناك أكثر من 200 ألف نازح في مخيمات عشوائية منتشرة في المحافظات العراقية، لم تقم وزارة الهجرة والمهجرين بواجبها تجاههم، فضلاً عن 2.5 مليون عائد من المخيمات، نصفهم لا يجدون مأوى لهم، بحسب ما أكدته منظمة الهجرة الدولية.
وقال ناشطون في مجال حقوق الإنسان: “يبدو أن غوتيريش لا يقرأ تقارير منظمته، التي تحدثت في أكثر من مناسبة عن الأوضاع المزرية للنازحين، الذين لم تفعل السلطات شيئاً من أجلهم.”
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، قد أعلن إن زيارته للعراق تتضمن لقاءات مع رؤىساء الجمهورية والوزراء ومجلس النواب، لتقديم الدعم ل”جهود الحكومة العراقية بتسهيل عودة النازحين من الخارج” حسب تعبيره، لكن مصادر مطلعة أكدت إن زيارته كانت من أجل تكليف حكومة بغداد بإيصال رسالة إلى إيران تتعلق بملفها النووي، الأمر الذي اعتبرته المصادر مخالفة اُخرى لدور الأمم المتحدة المفترض، بدعم تطلعات الشعوب في نيل حقوقها بحياة كريمة، لا بإيصال الرسائل بين الأطراف التي تسببت بمعاناة العراقيين.