
سجناء يقضون تحت التعذيب وحكومة السوداني تتجاهل آلاف البلاغات
أعادت وفاة سجين آخر يوم الجمعة 3 آذار/مارس 2023، فتح ملفات لم يعد بإمكان السلطات تجاهلها، حول ظاهرة باتت منتشرة في العديد من السجون الرسمية وغير الرسمية في العراق، وهي وفاة السجناء قبل موعد إطلاق سراحهم. وأمضى السجين “محمد مطر فضيل الزوبعي” من أهالي قضاء “أبو غريب” في بغداد؛ أربع عشرة سنة متنقلاً بين سجون ومعتقلات النظام، قبل أن يلقى حتفه في سجن “الكفل” بمحافظة بابل؛ متأثراً بالتعذيب الجسدي والنفسي، والإهمال الطبي. ونقل مراسل قسم الإعلام في هيئة علماء المسلمين في العراق عن مقربين من الضحية قولهم، إن إدارة السجن أبلغتهم بوفاته، لكنها لم تسلمهم الجثة إلا بعد التوقيع على ورقة تنازل عن حقوقهم القانونية، مؤكدين أنها تأخرت بتسليمهم الجثة للتغطية على آثار التعذيب والتلاعب بتقرير الطبيب الشرعي، لتسجيلها على أنها وفاة طبيعية.
واعتقل الضحية المغدور عام 2009 على يد “قوات المثنى” الحكومية، وحكم عليه بالسجن عشرين سنة بتهمة الإرهاب، وهي ذريعة دأبت السلطات على توظيفها لأغراض طائفية.
ولفت تصريح صحفي أصدره قسم الإعلام في الهيئة، إلى أن العديد من حالات الوفاة حدثت مع اقتراب موعد إطلاق سراح السجناء، مشيراً إلى قضية سجين آخر هو “فوزي عبـاس شرموط”، وهو من أهالي “أبو غريب” أيضاً، الذي توفي في “سـجـن حمدان” بمحافظة البصرة الإسبوع الماضي، قبل أربعة أشهر فقط من انتهاء فترة محكوميته، البالغة 15 سنة.
جرائم ممنهجة
وأكد التصريح “إن تكرار وفيات المعتقلين الذين قضوا سنوات طويلة تحت وطأة التعذيب، ولاسيما عند اقتراب مواعيد انتهاء محكومياتهم مثلما حـصل مع المعتقل المغدور “فوزي عبـاس شرموط “، هي “جرائم ضد الإنسانية، ممنهجة ومقصودة في دوافعها وارتكابها، وهي لا تمثل إلا معشار ما يواجهه المعتقلون في العراق من انتهاكات فاقت في بشاعتها كل التصورات”. وجاء في التصريح “إن الجريمتين الأخيرتين جاءتا بالتزامن مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” إلى العراق؛ ولقائه بمختلف القوى السياسية وممثليها، بما فيهم قادة الميليشيات الموغلة في الجرائم بكافة أنواعها؛ وهو ما يؤكد استخفاف هذه المليشيات بالقوانين الدولية وتحديها للمنظمات الدولية”. وأضاف التصريح أن “قادة هذه الميليشيات يتخذون من مثل هذه اللقاءات والزيارات درعاً تتستر به على قيامها بجرائمها، وتحتمي بهم ضد أي مسؤولية”، مطالباً “المنظمة الأممية وبعثتها في العراق وجميع المنظمات الدولية والأنظمة السياسية؛ بالتوقف عن اللقاء بهؤلاء المجرمين، حتى لا يكونوا متورطين في تقديم الدعم لهم؛ الأمر الذي سيشجعهم على الاستمرار في هذه الجرائم البشعة.”
واعترفت أطراف نيابية بتنامي ظاهرة وفاة السجناء، مطالبة وزير العدل بتشكيل لجنة تحقيقية لتقصي أسبابها.وتحدث النائب عن محافظة ديالى “رعد الدهلكي”، عن تكرار وفاة نزلاء السجون، معتبراً أن “هذا الوضع يدق ناقوس خطر على وجود سيناريو يتم ترتيبه لتصفية السجناء بطرق مختلفة داخل السجون”، وأن ما يحدث يمثل “رسالة واضحة بأن العديد من السجناء تم الحكم عليهم بالإعدام داخل السجن من قبل مافيات متنفذة، حتى وإن كان حكمه القضائي لسنوات، وهو أيضاً دليل صارخ على حجم التعذيب وفقدان أبسط متطلبات حقوق الإنسان في السجون”. وطالب الدهلكي في بيان أصدره حول الموضوع، ب”تشكيل لجان تحقيقية لكشف أسباب تلك الوفيات وإعلان نتائجها على الرأي العام، وعدم الإكتفاء بتقارير مشكوك في صحتها”، مضيفاً أن هذه الممارسات هي “انتهاك صارخ لكل المواثيق والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، والمتضمنة لبروتوكولات التعامل مع السجناء”.
49 حالة في 7 أشهر
واضطرت حكومة السوداني تحت ضغط الاحتجاجات، لنشر بريد ألكتروني لتلقي الشكاوى الخاصة بحالات الإنتهاكات في السجون. وقال رئيس المركز الستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق “فاضل الغراوي”، إن حكومة السوداني تلقت نحو 3 آلاف شكوى وبلاغ يتعلق بالتعذيب في السجون على وجه الخصوص، فيما أكدت مصادر صحفية أن العدد واصل الارتفاع خلال فترة قصيرة. ونقلت هذه المصادر عن عضو لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب “حسين علي مردان” قوله، إنّ “الحكومة تسلّمت منذ مطلع كانون الثاني/يناير 5 آلاف شكوى تخص ضحايا عمليات التعذيب في السجون”، فيما شكك رئيس اللجنة “أرشد الصالحي” بإمكانية منع هذه الممارسات. وأكد الصالحي استحالة حل ملف السجون من قبل أي رئيس للوزراء، وأن لجنته حددت الكثير من النقاط خلال زياراتها للسجون، لكن قوى سياسية تقف ضدها عند إثارة القضية.
وخلال الفترة الواقعة بين كانون الثاني/ يناير، وآب/أغسطس/ الماضي، توفّي 49 معتقلاً، منهم 39 في سجن الناصرية المركزي، وثمانية في سجن التاجي شمال بغداد، فيما سجلت حالة واحدة في مركز شرطة إجرام الموصل على أنها (إنتحار)، وحالة وفاة واحدة في مركز تابع لمكافحة الإجرام في بغداد، بحسب المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب. وأكد المركز في تقرير له “احتجاز السلطات الحكومية عشرات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير إنسانية، بوضعهم في زنازين مكتظة وغير مهيأة صحياً لسنوات عدّة، بدوافع انتقامية وطائفية”. وجاء في التقرير، إنّ “الظروف الصحية معدومة في معتقلاتهم، وإنها ذات درجة حرارة ورطوبة عاليتَين، مما يؤثّر على صحتهم بشكل مباشر”.
ورغم أن هذه الممارسات موثقة في الكثير من التقارير الدولية، ومنها تقرير بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، الصادر في آب/أغسطس 2021، ألذي اتهم بشكل صريح السلطات العراقية بممارسة التعذيب في سجون ومعتقلات مختلفة، إلا أن الأحزاب الحاكمة وميليشياتها لم تتوقف عن ممارساتها، بل أنها قتلت سجينين اثنين، في الوقت الذي كان الأمين العام للأمم المتحدة، منشغلاً بالتقاط صورة تذكارية مع زعماء هذه الميليشيات، خلال زيارته الأخيرة للعراق.