
تبعية الاقتصاد العراقي لإيران ..أثمان باهضة يدفعها العراقيون
أدى اندفاع الساسة العراقيين لربط اقتصاد بلادهم بالاقتصاد الإيراني لسلسلة من الإنتكاسات، بدت واضحة على جميع المستويات. فبعد الإنهيار الكبير للعملة الإيرانية، بتسجيلها 5 ملايين ريال لكل 100 دولار، تعرض الدينار العراقي بدوره لتراجع كبير لم تفلح الإجراءات الحكومية الهشة باحتوائه، بدليل بقاء سعر الدينار العراقي منخفضاً مقابل العملات الأجنبية، وفي مقدمتها الدولار الأمريكي. وانعكس هذا الأمر على الواقع المعيشي اليومي المتردي أصلاً للمواطن العراقي، وأثر على ثقة المدخرين العراقيين بنظام بلادهم المصرفي، مع تنامي المخاوف من انهيار تام للقطاع المصرفي، على غرار ما حدث في لبنان.
وأدت السياسة الإيرانية على المستويين، الداخلي في مواجهة الإحتجاجات، والخارجي في طريقة تعاملها مع المتغيرات الدولية، لعزلة خانقة أثرت على اقتصادها، مما جعلها تعتمد بشكل كبير على ما يهرب إليها من العراق من العملة الصعبة بطرق عديدة، إضافة إلى مضاعفة حجم صادراتها إليه. وقدر رئيس غرفة التجارة الإيرانية العراقية المشتركة “يحيى آل اسحاق” نسبة نمو حجم صادرات بلاده إلى العراق خلال الأشهر العشرة ألماضية ب 23٪ مقارنة بنفس الفترة من عام 2021، حيث صدرت بلاده إلى العراق في هذه الفترة بضائع بقيمة 8.9 مليار دولار.وبحسب المسؤول الإيراني، فإن حجم العلاقات التجارية بين البلدين بلغ في بعض الفترات 14 مليار دولار، وتطمح بلاده لرفعه إلى 20 مليار دولار في السنوات القادمة. ويعتمد العراق على الصادرات الإيرانية، التي شملت المواد الغذائية المُصنعة والمنتجات الزراعية والبلاستيكية والسيارات وقطع الغيار ومواد البناء والسيراميك، كما يستورد منها الأجهزة المنزلية ومكيفات الهواء وغيرها من المواد الإستهلاكية الأساسية اليومية، بالإضافة إلى الغاز والطاقة الكهربائية.
واجهات للحرس الإيراني
وذكرت المصادر إن التعاملات المالية مع إيران خارج ضوابط العقوبات المفروضة عليها، ضاعفت الآثار السلبية على الجانب العراقي، بعد أن شملت الولايات المتحدة الأمريكية مؤسسات مالية عراقية بإجراءات صارمة بسبب هذه التعاملات. وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها، إن أكثر من 80% من التحويلات المصرفية العراقية قد جُمدت، منذ أن فرض البنك الفدرالي الأمريكي رقابة على التحويلات العراقية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، ضمن الضغوط التي تمارسها ضد إيران، الأمر الذي انعكس على قيمة العملة العراقية.
الأسعار ترتفع بسبب انهيار العملة العراقية الناتج عن عمليات التزوير، في حين أن إيران ستكون المستفيد الأكبر من تزوير العملة وانخفاض قيمة الدينار العراقي
وبحسب “رويترز”، فإن البنك الفيدرالي الأمريكي شمل أكثر من (15) مصرفاً عراقياً خاصاً بإجراءات قاسية، لعدم التزامها بنظام العقوبات المفروضة على إيران وعلى من يتعامل معها. وتعود هذه المصارف لأحزاب سياسية وميليشيات عراقية، تتهمها الولايات المتحدة بتهريب أكثر من (100) مليون دولار إسبوعياً إلى عدد من الدول في مقدمتها إيران وسوريا، وتعمل كواجهات لنشاط الحرس الثوري الإيراني في العراق. وقالت قناة “إيران إنترناشيونال”، إن عناصر من “فيلق القدس” الإيراني، تقوم بالتعاون مع السفارة الإيرانية ببغداد، بتهريب ملايين الدولارات إلى حسابات الحرس في إيران. ونشرت القناة التلفزيزنية المعارضة للنظام الإيراني، تقريراً مفصلاً تضمن أسماء عناصر في “الحرس الثوري”، تقوم بعمليات تبييض أمواله في العراق، للإلتفاف على العقوبات. وكانت مصادر صحفية قد كشفت عن إيداع أكثر من (60) مليار دينار من أسهم شركات الطاقة الإيرانية، في حساب السفارة الإيرانية بالمصرف التجاري العراقي العام الماضي، لكنها وصلت في نهاية المطاف إلى الحرس الإيراني.
الدينار المزور
ومنذ انخفاض قيمة الدينار العراقي نتيجة هذه الإجراءات، بدأت كميات من العملة العراقية المزورة تدخل إلى البلاد، اتُهمت الأحزاب الموالية لإيران بإدخالها. وقال عضو التحالف الوطني “لبيد الصميدعي”، إن “عملية تزوير العملة سيكون لها تأثير كبير على الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، لأن الثقة ستقل بالعملة العراقية وتفقد قدرتها الشرائية، وتؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار الذي هو أصلاً في ارتفاع مستمر”، مضيفاً في لقاء تلفزيوني
أن “المواطن العراقي هو المتضرر الأكبر من هذه العملية، لإن الأسعار ترتفع بسبب انهيار العملة العراقية الناتج عن عمليات التزوير”، في حين أن إيران ستكون “المستفيد الأكبر من تزوير العملة وانخفاض قيمة الدينار العراقي، إذ يعد العراق السوق الأكبر لطهران”. وأشار الصميدعي إلى أذرع إيران داخل العراق، والتي تساعدها في تخريب اقتصاد البلاد بقوله، إن “إيران ليست لوحدها من يقوم بعملية التزوير، وإنما هناك من يساعدها في هذه المسألة، من خلال أذرعها في البنك المركزي العراقي، وحتى في عملية طبع العملة”.
المصرف المركزي “يطمئن” العراقيين
وغرد الباحث الاقتصادي “مصطفى جاسم” معلقاً على ذلك بقوله: “ما بين سندان تهريب العملة الصعبة وتزوير العملة المحلية، ومطرقة الفدرالي الأميركي، سيلتحق العراق بالدول ذات العملة المنهارة، والتي تعاني من مشكلة التضخم المالي، ونتيجة ذلك وخيمةٌ كالجوع وانهيار الإقتصاد العراقي بالكامل”. وجاء في تغريدة الخبيرة الاقتصادية “سلام سميسم”، إن “من أشد وسائل التدمير الاقتصادي وحروب البقاء تزوير النقود وإغراق البلد بها، حروب تزوير العملة تدمير لقيمة كل شيء، إنها حرب الوجود، أن يكون هناك عراق أو لا يكون”.
رسمياً لم توجه مديرية مكافحة الجرائم المالية اتهاماً لأي طرف، رغم أن كل الدلائل تشير لعلاقة ميليشيات وأحزاب تابعة لإيران بإدخال العملة المزورة إلى العراق، أما المصرف المركزي العراقي، فقد اعتبر اقتصاديون أن ماصدر عن المسؤولين فيه لم يكن أكثر من محاولة لتبرئة هذه الأطراف، وللتغطية على انهيار الدينار العراقي، بعد أن تجاوز سعر الدولار الأمريكي 1660 دينار. وكان مستشار المصرف المركزي “إحسان الياسري”، قد علق على انتشار العملة المزيفة في السوق بقوله، إن “تزييف العملة ضعيف ورديء، وغالباً ما يكتشفه الجمهور والقطاع المصرفي والبنك المركزي”، وأن المتداول في السوق الآن عملة صادرة عن المصرف المركزي، وأن الأوراق المزيفة واضحة، مؤكداً أن المصرف لم يؤشر أي زيادة في وتيرة تزييف العملة، على حد زعمه.