
جرائم الميليشيات في محافظة ديالى .. المدنيون أول الضحايا
مازالت تداعيات أحداث محافظة ديالى الدامية، تلقي بظلالها على الحياة اليومية في المحافظة العراقية الواقعة قرب الحدود الإيرانية، والتي تُحكِم الميليشيات التابعة لإيران قبضتها عليها، وتشيع الرعب بين الأهالي بدوافع طائفية، بحسب ما أكده سكان محليون في قضاء “الخالص”، الذي شهد مجزرتين بشريتين خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وعبر مواطنون في اتصالات هاتفية مع صحف عربية تتابع أحداث المحافظة، عن مخاوفهم من حملات مداهمة اعتادت القوات الحكومية وعناصر الميليشيات القيام بها في كل مرة تشهد بها أقضية ونواحي المحافظة تدهوراً أمنياً. وقال مواطن رمز لاسمه ب”أبو خالد”، إنه لم يفتح دكانه منذ إسبوع، بعد سماعه بحملات مداهمة في القضاء، وأكد أن أشخاصاً اعتقلتهم القوات الحكومية في الحملات السابقة من الشوارع بشكل عشوائي بتهمة الإرهاب، معرباً عن قناعته بأن هذه التهم باطلة ولا أساس لها من الصحة.
وكان جهاز مكافحة الإرهاب، قد أعلن مؤخراً عن إلقاء القبض على 8 أشخاص في عدد من المحافظات بدعاوى الإرهاب والانتماء لتنظيم الدولة “داعش” أحدهم في قضاء الخالص، قال الجهاز إنه متورط بإحدى المجزرتين اللتين شهدهما القضاء مؤخراً.
ترك العمل في الميليشيا بعدما طُلب منه ضرب حاجز أمني تابع للجيش في جبال حمرين
من جهة أخرى أكدت مصادر في قضاء المقدادية التابع لمحافظة ديالى، إن الحشد الشعبي عاد لاستخدام إسلوبه القديم باستهداف مقراته أو ثكنات الجيش، لتبرير هجمات انتقامية يقوم بها ضد السكان المحليين، وهو إسلوب سبق أن فضحه منشقون عن الحشد، رفضوا تنفيذ مثل هذه الأوامر.
منشقون يفضحون أساليب الحشد
وكانت قيادة الحشد الشعبي قد زعمت إنها تصدت لهجوم شنه التنظيم ضد منزل أحد قيادييها في منطقة اللهيب شمال قضاء المقدادية، وإن الهجوم لم يسفر عن أي خسائر. وذهبت تحليلات صحفية، إلى أن هذه الحادثة تؤكد ما جاء في التسريبات الصوتية التي نشرها الإعلامي “علي فاضل” أيلول الماضي، والتي كشف فيها عن استهداف الحشد لمقرات وأهداف تابعة له أو للقوات الحكومية، لتبرير عمليات انتقامية يقوم بها ضد السكان لدفعهم للهجرة، من أجل إحداث تغيير ديموغرافي في المحافظة المتاخمة للحدود الايرانية. ونشر فاضل تسريباً صوتياً للمنتسب “كريم صالح كريم”، ألذي انشق عن ميليشيا “أئمة البقيع” التابعة للحشد في ديالى، أشار فيه إلى أنه ترك العمل في الميليشيا بعدما طُلب منه ضرب حاجز أمني تابع للجيش في جبال حمرين. وبين كريم إنه رفض تنفيذ أوامر “سعد طعيس” زعيم الميليشيا بضرب الحاجز، وهرب خوفاً من تصفيته لعدم قيامه بذلك. وعن أسباب إصدار مثل هذه الأوامر، قال المنتسب المنشق إنهم يريدون إثبات أن تنظيم الدولة “ما زال موجوداً” في المنطقة، لتبرير هجمات انتقامية ضد السكان. وتحدث كريم عن عمليات خطف لمرضى عقليين أو معوَّقين وربطهم بأحزمة ناسفة ثم قتلهم، وبعد ذلك تعلن القيادة عن إحباط هجوم انتحاري. وتحدث العنصر المنشق عن عمليات اعتقال أبناء المحافظة والصاق تهمة الانتماء للتنظيم، ونشر صور لهم وهم يحملون أسلحة ومتفجرات.
وروى هذا العنصر حادثة كان شاهداً عليها، عندما ألقوا القبض على شخص معوق كان يبيع البنزين، وأعطوه حبوباً منومة وألبسوه حزاماً ناسفاً وتركوه مع قطعة سلاح عند حاجز “إمام ويس”، وعندما بدأ السير أطلقوا عليه وابلاً من الرصاص وفجروه، وزعموا إنهم قتلوا انتحارياً من تنظيم الدولة.
أساليب شيطانية
ونشر الإعلامي “علي فاضل” ثلاثة أجزاء من التسجيلات الصوتية التي بعث بها إليه المنشق عن الميليشيا، كشف فيها تفاصيل عن افتعال ميليشيا “أئمة البقيع” لما قالت إنها هجمات إرهابية استهدفت قطعات عسكرية في محافظة ديالى، لتدعي أنها قامت بالتصدي لها، مؤكداً تورط ضباط في قيادة عمليات الجيش بالمحافظة، بالإتفاق مع الميليشيات.
وتناول باحثون هذه الظاهرة من زوايا متعددة، بعضها يتعلق بالصراع بين القوى الحاكمة وامتداداتها المسلحة، حيث قال الباحث في الشأن السياسي العراقي “شاهو القره داغي”، إن الإنفجارات غالباً ما تحدث أثناء الأزمات والمشكلات السياسية وتُنسب إلى تنظيم الدولة، وهذه التفجيرات هي عبارة عن رسائل سياسية بين هذه الأطراف. وتابع الباحث القول في مقابلة تلفزيونية، إن هذه الميليشيات تريد الحفاظ على بقائها، فهي موجودة بفرض وجود عدو، فإن لم يكن هناك عدو فهي تخلق جواً من الفوضى وتنفذ عمليات تفجيرية، مضيفاً إن “استخدام المختلين عقلياً لا يخطر على بال أحد، وربما يكون شيئاً تنفرد به هذه المليشيات على مستوى العالم، لذلك فهي تمارس أقذر الأفعال حتى تحافظ على وجودها في هذه المناطق”.
وتعقيبباً على ما ورد في التسريبات عن استهداف الحشد للجيش، قال قرداغي إن “الغرض الرئيس للمليشيات من قصف الجيش العراقي – كما ظهر في التسريبات-، حتى يقال إن الأخير عاجز عن حماية نفسه والمناطق التي يوجد فيها، وبالتالي يكونوا هم (المليشيات) محل الجيش”. واتهم قرداغي رئيس الوزراء الأسبق “نوري المالكي” بدعم ميليشيا أئمة البقيع منذ عام 2005 وحتى 2009، وبسعيه لتقويض الدولة وضرب مؤسساتها، متسائلاً “أليس من المفترض أن يكون الجيش أقوى من هذه المليشيات، وبالتالي يردون على مصدر إطلاق النار، ولكن ما يحصل بعد القصف تأتي الأجهزة الأمنية سواء الجيش أو غيرها وتعتقل مدنيين ليس لهم علاقة بهذه الجرائم”.
وسبق للإعلامي والمدون “علي فاضل” أن نشر العديد من التسريبات الصوتية التي فضحت أساليب أركان النظام الحاكم وميليشياته، كان أشهرها تسريبات نوري المالكي السبعة، والتي هاجم فيها زعماء من الكرد والسنة، وشتم زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” بألفاظ نابية.