تقارير

قرداحي في مؤتمر الأسمدة .. من ربح المليون هذه المرة؟

إستقبل ناشطون وإعلاميون عراقيون، كلمات الإطراء والمديح التي أغدقها الإعلامي والوزير السابق “جورج قرداحي” على الأداء الحكومي في ولاية “محمد السوداني” بالإستغراب، ومنهم من استهجن السماح لشخصية لا تحمل صفة رسمية أن تعطي رأيها بلا مناسبة، متسائلين عن دوافعه لإطالة المديح لمنجزات لا وجود لها، في ظل حكومة لم تكمل 8 أشهر.

وفي مشهد يبدو أنه اعد مسبقاً، اعتلى قرداحي منصة المسرح الذي اقيمت فيه الجلسة الأولى لمؤتمر الاستثمار المعدني والبتروكيمياوي والأسمدة، ألذي عقد في بغداد في الثالث من أيار/مايو الجاري، لا ليعرض رؤيته عن الاستثمار في الاسمدة والبتروكيمياويات، بل ليجري مقابلة مع السوداني، وليتلو على الحاضرين قائمة المنجزات التي حققتها حكومته.

وقال صحفي عراقي حضر الجلسة، “إن هذا المشهد بحد ذاته يعتبر سابقة غير معروفة على مستوى المؤتمرات، فبدل أن يلقي راعي المؤتمر كلمته في الحاضرين أصبح ضيفاً لقرداحي، وكأننا في برنامج من يربح المليون”.  وافتتح قرداحي اللقاء بقوله، إن “هذا شرف كبير لي أن أتقاسم مع دولتك هذه المنصة، واسمح لي بداية أن اهنئك على إنجاز عظيم، حضرتك وحكومتك، إنجاز تحقق دون أن ندري، تحقق وشعر به كل الناس في العراق وفي الخارج، وهو إعادة الثقة إلى طريقة الحكم، إلى الدولة في العراق” على حد تعبيره.

 

قل لي من يمدحك أقول لك من أنت

وتوقع إعلاميون أن يبادر حزب الله اللبناني نيابة عن جورج قرداحي، بالرد على سيل الانتقادات التي تعرض لها في هذه الجلسة، مثلما دافع عنه عندما تسبب بأزمة دبلوماسية بين بلاده وبين عدد من الدول العربية، بعد تصريحات أدلى بها قبيل توليه وزارة الإعلام في بلاده في أيلول/سبتمبر 2021. وجاء في تلك التصريحات أن ميليشيات الحوثي المنضوية تحت اسم جماعة “أنصار الله”، يدافعون عن أنفسهم ولم يعتدوا على أحد، وأنّ “الحرب في اليمن عبثية ويجب أن تتوقّف”، متجاهلاً دور هذه الميليشيا المدعومة من إيران، بتمزيق وحدة البلاد وتشريد أبنائها.

وسارع حزب الله اللبناني لامتداح موقف قرداحي، كما رد على ما أسماها “حملة السعودية والإمارات ضد جورج قرداحي”، مشيداً “بالموقف الشجاع الذي اتخذه معالي وزير الإعلام”، بحسب بيان الحزب.

وسببت تصريحاته عن اليمن توترات سياسية خطيرة بين بلاده وعدد من الدول العربية في الأيام الأخيرة من تشرين الأول/اكتوبر2021، إضطرته للإستقالة بعد أقل من 4 أشهر على استيزاره. وخلال أربعة أيام فقط تصاعدت الأزمة بشكل كبير، حيث دعا كل من مجلس التنفيذيين وزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي “وليد جنبلاط” لإقالته، وشملت الإجراءات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية والأمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين، إستدعاء سفراء لبنان لديهم وتسليمهم مذكرات احتجاج وطردهم من بلدانهم، وكذلك سحب سفرائهم من بيروت. ودفعت هذه التصريحات المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة اللبنانية “نجيب ميقاتي” لإصدار بيان جاء فيه، إن كلام قرداحي الذي صدر قبل انضمامه للحكومة، “كلام مرفوض ولا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقاً، خاصة فيما يتعلق بالمسألة اليمنية وعلاقات لبنان مع أشقائه العرب، وتحديداً الأشقاء في المملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي”، بحسب البيان.

 

 

مواقف صادمة

وفي ظل الأزمة التي سببها لبلاده، تابعت مواقع صحفية مواقفه خلال عمله الإعلامي وخلال فترة استيزاره القصيرة، وتوصلت معظم هذه المواقع إلى أن الرجل منحاز للمشروع الايراني في المنطقة، مستشهدة بالعديد من المواف والتصريحات التي صدرت عنه.

وحاول قرداحي استثمار شعبيته التي اكتسبها خلال عمله في قناة MBC السعودية في التسويق لذلك المشروع، لكن النتيجة كانت عكسية، حيث تقلصت مشاهدات برنامجه الشهير “من يربح المليون” كثيراً في سنواته الأخيرة، بسبب مواقفه المؤيدة لحزب الله ونظام الرئيس السوري “بشار الأسد”، قبل أن تقرر القناة وقفه. وأعلن قرداحي خلال مؤتمر عقد في دمشق آنذاك، إن موجة الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد هي “مؤامرة خارجية”. ورغم الإدانة العربية والدولية لتعامل الأسد مع الاحتجاجات في بلاده، إلا أن قرداحي اختاره في برنامج بثته قناة المنار التابعة لحزب الله في كانون الأول/ديسمبر 2018 “شخصية العام” على المستوى العربي، كما اختار زعيم ميليشيا حزب الله “حسن نصرالله”، شخصية العام على مستوى لبنان “بلا منازع”، حسبما ورد في تقرير لموقع شبكة CNNالأمريكية.

وعمل قرداحي في العديد من الإذاعات والقنوات الفضائية، من بينها قناة الميادين وإذاعة مونت كارلو وإذاعة الشرق، ثم قناة MBC1 ، وقناة LBC، ليعود إلى MBC حتى عام 2011، لكنه استُبعد منها عندما بدأ بالإدلاء بآراء سياسية لا تتناسب مع طبيعة عمله.

وترك قرداحي العمل في مجال الإعلام بعد استيزاره في حكومة رئيس الوزراء “نجيب ميقاتي”، لكن انحيازه لمشروع ايران وتأييده للحكومات والميليشيات السائرة في فلكها لم يتغير، وهو ما عبر عنه بوضوح في المؤتمر الأخير في بغداد.

 

كلمات بالعملة الصعبة

واعتبر ناشطون عراقيون أن دعوة منظمي المؤتمر لقرداحي للمشاركة في المؤتمر، رغم وجود “مطبلين محليين أرخص ثمناً”، جاءت لكونه شخصية إعلامية شهيرة تفعل ما يطلب منها بعدد الدولارات التي تقدم لها. ولم تقتصر ردود الفعل على الناشطين العراقيين، بل حملت مواقع التواصل وخاصة الموقع الشهير “تويتر”، تعليقات مشابهة من مغردين يمنيين ولبنانيين وسوريين، إستذكروا فيها تصريحاته السابقة، ألتي جاءت بالضد من تطلعاتهم بالانعتاق والخلاص من الميليشيات التي تتحكم بمصائرهم. ووصف “منشق عن حزب الله” في تغريدته قرداحي بقوله، إنه “جاسوس للمخابرات الإيرانية، وعمل على اختراق الإعلام العربي في تجنيد وتوظيف إعلامين في الفضائيات العربية، للتطبيل لإيران ونظام الأسد، وتجميل كل قبيح لحزب الله الإرهابي” بحسب المغرد.

وقالت المغردة العراقية “زينب ربيع”: “لا أعلم جورج قرداحي وفق أي استطلاع استند في كلامه هذا وعبر عنا جميعاً بقوله “كل العراقيين”، مضيفة “يا جورج لا يحق لك أن تتكلم بالنيابة عن ٤٤ مليون إنسان”. وأثنى مغرد آخر على تغريدتها بقوله  “بأي حق مطبل المقاولة جورج قرداحي يتكلم باسم العراقيين؟”.

وجاء في مقالة للكاتب العراقي “سمير داود حنوش” : “لن ندخل في تفاصيل إجور قرداحي بهذا المؤتمر، وإن كان المتداول حسب المصادر لا يقل عن خمسين الف دولار ومصاريف جيب مع إقامة مجانية في فندق الرشيد أكبر فندق ببغداد، مكافأة له عن بضع كلمات إشادة بحق الحكومة، فكل ذلك لا يُعتد به، لكن المؤكد أن الرجل كان يزن كلماته بميزان الدولار”، مضيفاً أن العراقيين “يعرفون جيداً أولئك الذين تهبط بهم الطائرة في مطار بغداد ليبدأوا بالتراقص وعزف أناشيد اللهفة والإشتياق، بعد أن هيأت لهم السلطة حقائب الدولار الأخضر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى